اليوم عندما تشاهد المباراة أريدك أن تعتبر نفسك أحد
لاعبي المنتخب السعودي. غير منظور رؤيتك للمباراة من مقاعد المشجعين لأرض الملعب،
كل لاعب بالمنتخب يرغب في تسجيل هدف يساهم في تأهله، وأنت فريقك بهذه الحياة هو
ذاتك وأحلامك تقع في مرمى الهدف.
ومثل المنتخب
السعودي فريقك المنافس كثيرًا ما يكون اليابان وأستراليا وما يقابله في ملعب حياتك
هما عدم انضباطك والإحباط الذي يتسلل بالأهداف بمرماك، دون أن تلغى، ففي ملعب
حياتك ترتكب خطأ جعل جلد الذات هو حكمك القاسي تجاهك، الذي يقف صامتًا أمام تسلل
أهداف الإحباط، ومستعدًا لرفع البطاقة الحمراء بوجهك على أدنى خطأ.
نحن يا قارئ مدونتي العزيز نعامل كل مباراة نخوضها
لتحقيق هدف واحد نريده وكأنها المباراة النصف نهائية على كأس العالم، وأمامنا 90
دقيقة فقط، وما يفوق 80 ألفًا من المُشاهدين يصرخ من حولنا بتوجيهات مختلفة.
Sport illustrations by Storyset
ما هو سر النجاح؟
في عام 2022، كان معظم العالم يجزم بأن السعودية ستُهزم ضد
الأرجنتين، ولكن الحياة مليئة بالمفاجآت. شاء الله أن تنتصر السعودية في تلك
المواجهة بتقدير من عنده ثم بفضل ثقة المنتخب السعودي بنفسه، فكانت لحظة تاريخية
تعيد التأكيد على حقيقة أن لا شيء مستحيل في هذه الحياة.
قد تتساءل، قارئي العزيز، لماذا أستحضر ذكرى مباراة مضت
عليها سنوات؟ السبب بسيط: لأنها تجسد درسًا خالدًا. إن المثابرة والانضباط هما
مفتاحا النجاح، فحتى إن لم تفز في "مباراة حياتك" الحالية، فإن إنجازاتك
السابقة تبقى شاهدة على قدراتك، ولا تنتقص الهزيمة من قيمتك. العنصر الأهم بعد
انضباطك هو ثقتك بنفسك، فهي القوة التي ستحوّل أصوات النقد إلى هتافات تشجيع.
قد يبدو حديثي نظريًا، لكن دعني أُعزز كلامي بمثال
واقعي. هناك لاعب سعودي، يلعب اليوم في صفوف المنتخب السعودي، واجه في بداياته
صعوبات شديدة، ولم يسلم من انتقادات المشجعين. رغم ذلك، لم يتراجع، بل تمسك
بإصراره وثقته، حتى بات نموذجًا يُحتذى به.
همة السعوديين مثل جبل طويق ولن تنكسر.
-صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
في تلك المواجهة التاريخية التي جمعت المنتخب السعودي بنظيره الأرجنتيني، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والترقب، غيّر هذا اللاعب مسار المباراة، وأثر في الأجواء العامة، مما أعطى دفعة قوية لعزيمة زملائه. ومع ذلك، لم ينل من الإشادة الجماهيرية ما يليق بإنجازاته.
استقر بداخلي تساؤل لأيام لم أستطع إجابته: لِماذا لم يأخذ هذا اللاعب نصيبًا من الثناء من مشاهدي كرة القدم؟
بحثت عنه، واكتشفت ما أدهشني، فهو قبل كأس العالم تعرض
لقطع في رباط أخيل، الوتر المسمى كنايةً بالأسطورة الإغريقية أخيل الذي لا يُقهر
ويصعب هزيمته؛ لأنه في علم الأحياء يعتبر هذا الوتر من أقوى الأوتار وأشدها سماكة،
فهو يربط عضلات الساق الخلفية بالقدم، لذا عندما ينقطع لن تستطيع المشي، فما بالك
بالركض!
قارئي أريدك أن تكون بمكان هذا اللاعب، أنت في مباراة
مهمة لناديك، وسددت الهدف الأول لصالحه، ثم بعدها بدقائق تعرضت لقطع في وتر أخيل
يتطلب تدخلاً جراحياً سريعاً، وبعد نجاح جراحه خطيرة مثل هذه يقع 80% من شفائك
عليك أنت وانضباطك في التأهيل على مدى ما يقارب 8 إلى 10 أشهر تخسر من خلالها
مركزك في المنتخب السعودي لكرة القدم، بعد 3 سنوات من مساهماتك الكبيرة في تأهله
للنهائيات.
قمة الإحباط، أمر خارج عن إرادتك فجأة بيوم وليلة يجعلك
تهوي من قمة بذلت سنوات للوصول إليها، لقاع مليء بالقلق من احتمالية عدم نجاح
عملية خطيرة كهذه، وحتى لو نجحت العملية، ستخرج منها وأنت على كرسي متحرك، ثم تبدأ
رحلة علاجية غير مضمونة النتيجة لأشهر طويلة، وخلال جهادك للشفاء ترى أن منذ
إصاباتك بدأ الناس دون اهتمام لما أنجزته من قبل بالتفكير بمن سيحل بديلاً لك،
وتفكر هل ستكون هذه الإصابة نهاية مشوارك الذي كرست سنوات طويلة من حياتك في
النجاح فيه؟
الواقع الذي ترسخ بعقولنا بعد بعض مباريات الحياة التي
هُزمنا فيها، يجعلنا نتحول لدوستويفسكي، ونرى أن الأحداث التي سردتها في أسطر
قليلة بالأعلى مليئة بالعديد من الاحتمالات السوداوية، ولا يوجد بصيص نور ضئيل.
لكن أخبرك أمر جعلني أبدأ بتجاهل هذا الواقع وآرائه، هو ما حدث لهذا اللاعب.
في ملعب الحياة من الخطأ أن نجعل أنفسنا اللاعبين والحكم
الجلاد للذات، ونستمع مع كل ذلك "لمشاهدي كرة قدم" الذين لا يعلمون ما
الجهد والأمور التي فعلناها قبل دخولنا لأرض الملعب، ثم نتبنى آرائهم عننا في
مباراة واحدة هُزمنا فيها.
الحياة واسعة، فلما نركز على جانب، وننسى جوانب
كثيرة منها. في الحياة يا قارئي نعم توجد إصابات مفاجئة تنهي المباراة في دقائقها
الأولى، لكن نمتلك الخيار في صم آذاننا عما يقال، والثقة بأن هناك رباً هو الأشد
رحمةً علينا من أمهاتنا، لن يزرع رغبة شيءٍ بصدورنا إلا ليعطينا إياه، لذا من حقنا
على أنفسنا ألا نتوقف عن السعي لما نُريد، فاستمرارية سعينا تعني حتمية الوصول،
وفي بعض الأحيان لن نصل للمكان الذي نريده نحن، بل للمكان الأفضل الذي قدره الله
لنا.
هل تعتقد أن ذلك كثير من الإيجابية السامة! أنا كنت
أعتقد ذلك سابقًا حتى رأيت كيف أن رحمة الله أحاطت هذا اللاعب، فاستطاع أن يقف على
رجليه في 5 أشهر بدلاً عن تسعة، رغم إصابته الخطيرة.
استطاع المشاركة مع ناديه في مباراة أثبت فيها
استعادة لياقته في اللعب وتسجيل الأهداف، ثم حضرت إنجازاته على مدى 3 سنوات في
المنتخب -بعد توفيق الله- ليُخْتَار لآخر معسكر تدريبي للمنتخب السعودي مع يفوق 30
لاعباً في 2022.
لكن العقبات لا تتوقف في الظهور، فهو أُرْجِع إلى
الخلف كمهاجم ثالث، ويجب أن يثبت استحقاقه لمركزه الأول بهذا المعسكر، وما أعجبني
بهذا اللاعب عدم استسلامه، فلم يتوان عن التمرين والالتزام مع المدرب الصارم هنري
رينارد، ليصدر اسمه مع القائمة الرسمية لكأس العالم المكونة من 26 لاعباً.
وبعدها أتت اللحظة التي ألهمت كتابة هذه المقالة، عندما
استطاع اللاعب بعد شوط أول رأى استقبال مرمى السعودية هدف الأرجنتين، وسمع بأذنيه
حماس ما يفوق 40 ألفاً من مشجعي الأرجنتين فرحةً بالهدف، واستماتة الجمهور السعودي
في التشجيع تمسكًا بأمل قد لا يكون منطقياً عندما راهن 99% من العالم بخسارة
السعودية، استطاع بالدقائق الأولى من بدء الشوط الثاني تسديد هدف بنفس الرجل
المصابة.
الغريب أن العديد من "مشاهدي كرة القدم" يعتقد
أن كل ما ذكرته بالأعلى حظ اللاعب، وليس توفيقاً من الله مع اجتهاده ببذل الأسباب.
هل تعلم قارئي أن صالح الشهري بعد مباراة الأرجنتين لعب العديد من المباريات، منها
ما سجل فيها هدفًا، ومنها ما ضغط على الخصم ببراعة، وساهم بغيرها بأهداف، لكن
" مشاهدي كرة القدم" كانوا لا يتحدثون عنه إلا عندما لم يحقق بنظرهم
مستوى ممتاز.
وكذلك أنت قارئي قد يوجد أشخاص بمدرج مباراتك أو خارجها
ممن لا يعلم ما مررت به، وما اجتهدت بفعله لتستطيع خوض مباراة هدفك بالحياة،
ويحكمون عليك بناءً على دقائق تلعبها، بل ببعض الأحيان أنت تكون أقسى منهم على
ذاتك.
لو ركز كل شخص على نفسه، وأصبح عادلاً تجاه نفسه كحكم، ووثق
بنفسه وقدراته، ولم يتخلَ عنها بعد هزيمة بمباراة، واستطاع بنضج الاستماع لآراء
الجميع وانتقاء النقد الذي يساعده بالتطور؛ لاستطاع اتخاذ قراراته بسهولة والتحرك
من مرماه لمرمى الخصم بسلاسة وتسجيل الهدف تلو الآخر في كل مرة، وأيًّ كانت نتيجة
المباراة لاستطاع الخروج منها والمحاولة مجددًا، فالفشل كما يقول ياسر الحزيمي هو
التوقف عن المحاولة، وليس عدم تحقيق النجاح.
أعلم أن كل ما ذكرته بديهيات، لكن أن تكون هذه
البديهيات حاضرة بداخلنا عندما لا ننجح، تساعدنا على النهوض مجدًدا وتقييم أدائنا
بإنصاف وتقرير هل نتخلى عن هذا الهدف أم نستمر فيه، وهو الذي لا يحصل على أرض
الواقع رغم تلك البديهيات المذكورة.
هذه المقالة تذكر قصة واقعية لشخص آمن بنفسه، ووثق بها
لذلك استطاع أن يكون في قائمة هدافي المنتخب بـ 13 هدفاً وضربتين جزاء.
تمنياتي لك بالتوفيق في خوض مبارياتك الحياتية، وأذكر
نفسي وأذكرك أنت الوحيد الذي يعرف ذاتك، فلا تقسو عليها، وتنضم إلى مقاعد مشجعي
كرة القدم في جلدها بناء على مباراة واحدة.
أعجبني كيف استخدمتي مهاراتك في كتابة المقال، في جعل الأحداث الواقعية ملهمة لنا. أسلوبك وكلماتك تحفزنا على الإيمان بأنفسنا وتخلي الواحد يحس إنه يقدر يحقق أهدافه. بعد ما قرأت المقال، حسيت بطاقة إيجابية ورغبة أكبر في السعي لتحقيق طموحاتي. فعلاً، مباراة الحياة تحتاج لهالدافع، وكلامك كان بمثابة تشجيع لنا كلنا! . استمري !
ردحذففي البداية جذبني العنوان وقلت لنفسي كيف ستكتب هالورينا عن الحياة ومباراة كرة القدم؟ ما العلاقة بينهما اصلا
ردحذفولكن مع كل كلمة قرأتها شعرت بكل كلمه وكأنها كتبت لأجلي
خصوصا جملتك هذه
"فحتى إن لم تفز في "مباراة حياتك" الحالية، فإن إنجازاتك السابقة تبقى شاهدة على قدراتك، ولا تنتقص الهزيمة من قيمتك. العنصر الأهم بعد انضباطك هو ثقتك بنفسك، فهي القوة التي ستحوّل أصوات النقد إلى هتافات تشجيع. " لمست قلبي لحد انني رغبت بالبكاء
عزيزتي فاطمة، وأنا أيضًا داهمتني رغبة بالبكاء عندما علمت أن مقالة كتبتها لامست قلب شخص آخر، لأن هذه القناعات التي شاركتها بهذه المقالة كانت مستلهمة من تجارب مررت بها بهذه الحياة كانت ستقود لرفع البطاقة الحمراء أمام أحلامي.
حذف