اليوم أُقيمت مباراة السعودية ضد الصين، ولم تكن
الغالبية متفائلة بفوز المنتخب بالمباراة؛ نظرًا لمستواهم بآخر مباراة مع
إندونيسيا.
الآن أريد أن أخبرك بشيء سيدهشك، أنت أحد لاعبي المنتخب
السعودي في حياتك، بل إنك تمر بأسوأ من مشاكلهم. وبهذه المقالة سأخبرك كيف ذلك.
أريدك الآن أن تغير منظور رؤيتك من مقاعد المشجعين لأرض
الملعب، كل لاعب بالمنتخب يرغب في تسجيل هدف يساهم في تأهل المنتخب، وأنت فريقك
بهذه الحياة هو ذاتك وأحلامك تقع في مرمى الهدف، ومثل المنتخب السعودي فريقك
المنافس كثيرًا ما يكون اليابان وأستراليا وما يقابله في ملعب حياتك هما عدم
انضباطك والإحباط الذي يتسلل بالأهداف بمرماك، دون أن تلغى، ففي ملعب حياتك ترتكب
خطأ جعل جلد الذات هو حكمك القاسي تجاهك، الذي يقف صامتًا أمام تسلل أهداف
الإحباط، ومستعدًا لرفع البطاقة الحمراء بوجهك على أدنى خطأ.
كما يكرر الجميع أن المنتخب السعودي خسر ضد
إندونسيا، على الرغم من تعادله، أنت أيضًا قد يكون أداؤك بآخر مباراة خضتها في
تحقيق هدف بحياتك جيداً، وأحرزت فيها هدفاً، لكنك لا ترى ذلك، لأن لا يهمك ما بذلت
من جهد خلال 90 دقيقة وما قبلها، بل تسمح لمشاهدي المباراة من أناس لا يعرفونك
بتحديد شعورك تجاه ذاتك.
نحن يا قارئ مدونتي العزيز نعامل كل مباراة نخوضها
لتحقيق هدف واحد نريده وكأنها المباراة النصف نهائية على كأس العالم، وأمامنا 90
دقيقة فقط، وما يفوق 80 ألفًا من المُشاهدين يصرخ من حولنا بتوجيهات مختلفة.
هذا التشابه بين الحياة ومباريات كرة القدم، أدركته بعد
مشاهدة رد فعل العديد من مشاهدي كرة القدم بعد فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين،
فالغالبية العظمى أمطرت بالثناء على سالم الدوسري فقط وبعضهم ضم اسم محمد العويس
معه، لكنهم تناسوا اسماً مهماً في مجريات هذه المباراة قلب جوها العام، مما أثار
استغرابي!
من منظوري كمواطنة سعودية أرى أن دولتنا أغدقت بدعم
المنتخب، لكن هناك مشكلة لا أعلم ماهيتها، منعت من تأهل المنتخب لدوري النصف نهائي
لكأس العالم منذ عقود، لذا تفاجأت بفوزهم على فريق مثل الأرجنتين.
واستقر بداخلي تساؤل لأيام لم أستطع إجابته. لِماذا لم
يأخذ هذا اللاعب نصيبًا من الثناء من مشاهدي كرة القدم؟
بحثت عنه، واكتشفت ما أدهشني، فهو قبل كأس العالم تعرض
لقطع في رباط أخيل، الوتر المسمى كنايةً بالأسطورة الإغريقية أخيل الذي لا يُقهر
ويصعب هزيمته؛ لأنه في علم الأحياء يعتبر هذا الوتر من أقوى الأوتار وأشدها سماكة،
فهو يربط عضلات الساق الخلفية بالقدم، لذا عندما ينقطع لن تستطيع المشي، فما بالك
بالركض!
قارئي أريدك أن تكون بمكان هذا اللاعب، أنت في مباراة مهمة لناديك، وسددت الهدف الأول لصالحه، ثم بعدها بدقائق تعرضت لقطع في وتر أخيل يتطلب تدخلاً جراحياً سريعاً، وبعد نجاح جراحه خطيرة مثل هذه يقع 80% من شفائك عليك أنت وانضباطك في التأهيل على مدى ما يقارب 8 إلى 10 أشهر تخسر من خلالها مركزك في المنتخب السعودي لكرة القدم، بعد 3 سنوات من مساهماتك الكبيرة في تأهله للنهائيات.
قمة الإحباط، أمر خارج عن إرادتك فجأة بيوم وليلة يجعلك
تهوي من قمة بذلت سنوات للوصول إليها، لقاع مليء بالقلق من احتمالية عدم نجاح
عملية خطيرة كهذه، وحتى لو نجحت العملية، ستخرج منها وأنت على كرسي متحرك، ثم تبدأ
رحلة علاجية غير مضمونة النتيجة لأشهر طويلة، وخلال جهادك للشفاء ترى أن منذ
إصاباتك بدأ الناس دون اهتمام لما أنجزته من قبل بالتفكير بمن سيحل بديلاً لك،
وتفكر هل ستكون هذه الإصابة نهاية مشوارك الذي كرست سنوات طويلة من حياتك في
النجاح فيه؟
الواقع الذي ترسخ بعقولنا بعد بعض مباريات الحياة التي
هُزمنا فيها، يجعلنا نتحول لدوستويفسكي، ونرى أن الأحداث التي سردتها في أسطر
قليلة بالأعلى مليئة بالعديد من الاحتمالات السوداوية، ولا يوجد بصيص نور ضئيل.
لكن أخبرك أمر جعلني أبدأ بتجاهل هذا الواقع وآرائه، هو ما حدث لهذا اللاعب.
في ملعب الحياة من الخطأ أن نجعل
أنفسنا اللاعبين والحكم الجلاد للذات، ونستمع مع كل ذلك "لمشاهدي كرة
قدم" الذين لا يعلمون ما الجهد والأمور التي فعلناها قبل دخولنا لأرض الملعب،
ثم نتبنى آرائهم عننا في مباراة واحدة هُزمنا فيها.
الحياة واسعة، فلما نركز على جانب، وننسى جوانب
كثيرة منها، في الحياة يا قارئي نعم توجد إصابات مفاجئة تنهي المباراة في دقائقها
الأولى، لكن نمتلك الخيار في صم آذاننا عما يقولون، والثقة بأن هناك رباً هو الأشد
رحمةً علينا من أمهاتنا، لن يزرع رغبة شيءٍ بصدورنا إلا ليعطينا إياه، لذا من حقنا
على أنفسنا ألا نتوقف عن السعي لما نُريد، فاستمرارية سعينا تعني حتمية الوصول،
وفي بعض الأحيان لن نصل للمكان الذي نريده نحن، بل للمكان الأفضل الذي قدره الله
لنا.
هل تعتقد أن ذلك الكثير من الإيجابية السامة! أنا كنت
أعتقد ذلك سابقًا حتى رأيت كيف أن رحمة الله أحاطت هذا اللاعب، فاستطاع أن يقف على
رجليه في 5 أشهر بدلاً عن تسعة، رغم إصابته الخطيرة.
ثم استطاع المشاركة مع ناديه في مباراة أثبت فيها
استعادة لياقته في اللعب وتسجيل الأهداف، ثم حضرت إنجازاته على مدى 3 سنوات في
المنتخب -بعد توفيق الله- ليُخْتَار لآخر معسكر تدريبي للمنتخب السعودي مع يفوق 30
لاعباً في 2022.
لكن العقبات لا تتوقف في الظهور، فهو أُرْجِع إلى
الخلف كمهاجم ثالث، ويجب أن يثبت استحقاقه لمركزه الأول بهذا المعسكر، وما أعجبني
بهذا اللاعب عدم استسلامه، فلم يتوان عن التمرين والالتزام مع المدرب الصارم هنري
رينارد، ليصدر اسمه مع القائمة الرسمية لكأس العالم المكونة من 26 لاعباً.
وبعدها أتت اللحظة التي ألهمت كتابة هذه المقالة، عندما
استطاع اللاعب بعد شوط أول رأى استقبال مرمى السعودية هدف الأرجنتين، وسمع بأذنيه
حماس ما يفوق 40 ألفاً من مشجعي الأرجنتين لدفاع الأرجنتين، واستماتة الجمهور
السعودي في التشجيع تمسكًا بأمل قد لا يكون منطقياً عندما راهن 99% من العالم
بخسارة السعودية، استطاع بالدقائق الأولى من بدء الشوط الثاني تسديد هدف بنفس
الرجل المصابة.
الغريب أن العديد من "مشاهدي كرة القدم" يعتقد
أن كل ما ذكرته بالأعلى حظ اللاعب، وليس توفيقاً من الله مع اجتهاده ببذل الأسباب. هل تعلم قارئي أن صالح الشهري بعد مباراة الأرجنتين لعب العديد من المباريات، منها
ما سجل فيها هدفًا، ومنها ما ضغط على الخصم ببراعة، وساهم بغيرها بأهداف، لكن
" مشاهدي كرة القدم" كانوا لا يتحدثون عنه إلا عندما لم يحقق بنظرهم
مستوى ممتاز.
وكذلك أنت قارئي قد يوجد أشخاص بمدرج مباراتك أو خارجها
ممن لا يعلم ما مررت به، وما اجتهدت بفعله لتستطيع دخول الملعب، ويحكمون عليك
بناءً على دقائق تلعبها، بل ببعض الأحيان أنت تكون أقسى منهم على ذاتك.
لو ركز كل شخص على نفسه، وأصبح عادلاً تجاه نفسه كحكم،
واستطاع بنضج الاستماع لآراء الجميع وانتقاء النقد الذي يساعده بالتطور، ووثق
بنفسه وقدراته، ولم يتخلَ عنها بعد هزيمة بمباراة، لاستطاع اتخاذ قراراته بسهولة
والتحرك من مرماه لمرمى الخصم بسلاسة وتسجيل الهدف تلو الآخر في كل مرة، وأيً كانت
نتيجة المباراة لاستطاع الخروج منها والمحاولة مجددًا، فالفشل كما يقول ياسر
الحزيمي هو التوقف عن المحاولة، وليس عدم تحقيق النجاح. أعلم أن كل ما ذكرته
بديهيات.
لكن أن تكون هذه البديهيات حاضرة بداخلنا عندما لا
ننجح، تساعدنا على النهوض مجدًدا وتقييم أدائنا بإنصاف وتقرير هل نتخلى عن هذا
الهدف أم نستمر فيه، وهو الذي لا يحصل على أرض الواقع رغم تلك البديهيات المذكورة.
هذه المقالة تذكر قصة واقعية لشخص آمن بنفسه، ووثق بها
لذلك استطاع أن يكون في قائمة هدافي المنتخب بـ 13 هدفاً وضربتين جزاء.
تمنياتي لك بالتوفيق في خوض مبارياتك الحياتية، وأذكر
نفسي وأذكرك أنت الوحيد الذي يعرف ذاتك، فلا تقسو عليها، وتنضم إلى مقاعد مشجعي
كرة القدم في جلدها بناء على مباراة واحدة.