رسالة إلى / كل من أثقل قلبه هم.

 

رسالة تحفيز تتحدث عن واقع الحياة أسردها بناء على خلاصة 5 سنوات من السعي لتحقيق سعادتي.



أكتب لك بهذه الرسالة خلاصة سنوات من كبت مشاعري ثم النجاة بفضل من الله من انفجار قنبلتي. أعرف صعوبة النطق بتلك الأمور التي تُقلِقُك، وعدد المرات التي حاولت استجماع شجاعتك للبوح لكن يعصيك لسانك؛ لأنك لم تَعْتَدْ على فعل ذلك.

 تعتقد أن ما تواجه لا يُقارن بما يمر به من حولك! دعني أُخبرك من تجربة خضتها مع شخص عزيز علي أن استمرارك بكبت تساؤلات القلق هو إبقاء قنبلة بداخلك ستنفجر بأفظع صورة وبأسوأ توقيت.

المشاعر يا قارئي العزيز طاقة ما أن تزورك يجب أن تتصرف معها دون كرم، إن كان حُزنًا فأحزن، فرحًا فافرح، قلقًا فلا تهمله وتوكل على الله ثم أفعل ما باستطاعتك لوضع حدً له. حول تلك الطاقة لفعل حتى تخرج من جسدك؛ لأن بقاءها يتعارض مع فيزياء الطبيعة.

 علميًا يا قارئي العزيز أُثبت أنك لو لم تضع مسار خروج صِحي لتلك المشاعر الثقيلة التي تزورك من قلق ستختار هي مسارًا يتضمن أذى نفسي وجسدي لك ، وخطورة ذلك أنك قد لا تكتشف أن سبب مرضك بكل بساطة هو كتمانك.

 ظللت بعد تخرجي من الجامعة عاطلة لثلاث سنوات يقتلني بقائي دون وظيفة رغم معدلي وتخصصي، وأكتم قلقي من مضي الوقت دون مصدر دخل مالي مع إحباط الرفض وعدم الرد من الوظائف التي تقدمت عليها، لكنني لم أُدرك أن ذلك الكتمان كان يأكلني من الداخل حتى نَحَلَ جسديّ حد بروز العظام ، رغم أنني خلال تلك السنوات كنت أُبقي نفسي مشغولة بتطوير ذاتي مهنيًا ولكن عدم رؤية نتيجة جعلتني أشعر بأنني عالقة بينما الكل تتقدم حياته.

في عالم مليء بمحتوى يُشعرك أن النجاح والثراء يجب تحقيقُه قبل الثلاثين دون اعتبار لاختلاف ظروف وقدرات كل فرد عن الآخر، عالم يشجع أن تخاطر بقراراتك وإلا سيفوتك الكثير، أقولك لك عن تجربة: تمهل، وكما تقول والدتي:

 كل شيء بالدنيا لاحقه عليه أهم شيء صحتك، كل شيء تقدرين تعوضينه بعدين إلا الصحة.

 أنا مثلك أَبْغَضَ انتظار حصاد نتائج ما بذلته من جهد، وأكره كيف تبدأ شياطين الإحباط بخباثة مع مرور الوقت بخنق تفاؤلي ببطء، لكن لا تستسلم لذلك وأعلم أن هنالك حكمة من الله في عدم حدوث ما تُريد الآن.

بعد مرور 3 سنوات على بقائي بالمنزل بين تقديم على وظائف وتعلم ذاتي عن التدوين مع تطوير كتابتي أكرمني ربي بوظيفة لم أُصدق حصولي عليها، حيث استطعت ممارسة شغفي بالكتابة مع معلومات ومهارات اكتسبتها من تخصصي، لكن لحكمة إلهية أُدركها اليوم لم أستمر فيها.  اليوم أنا باستقرار نفسي وأمتلك أكثر من مصدر دخل بفضلٍ من الله. 

دون أن يجمعنا حديث خاص أعلم أنك أيضًا لو أخذت لحظة وألتفت للوراء لرأيت العديد من منعطفات حياتك بسبب "الرفض " و" لا" التي تلقيتها حماك الله فيها من أمور كانت ستؤذيك.

 لا تقسِ على نفسك كثيرًا من أجل أمور دنيوية فانية، ومهما اشتدت عليك الحياة يا قارئي أُذكرك وأُذكر نفسي أن لدينا ربًا خفيٌ الألطاف، خبيرٌ بما يثقل قُلوبنا، عليمٌ بما تشتهي أنفسنا، وسيعطينا أكثر مما نريد لفائق رحمته سبحانه.

 كل ما علينا فعله بعد السعي لمَا نُريد هو أمرٌ بسيط  لكنه ذو نتائج باهرة: دعاء من هو أقرب إلينا من حبل الوريد، واليقين بأن من يعلم كل ما يختلج صدورنا سيستجيب وسيبهرنا بالإجابة.

 هذا الفكرة تمسكت بها خلال السنوات الماضية، وتخطيت الكثير مما مررت به لإيماني بأن الدعاء يا قارئي العزيز أمر بسيطٌ فعله عظيمٌ مفعوله.

أنت تدعو الشافي من كل داء حتى لو عجز عنه الأطباء. تدعو خالق المعجزات الذي إن أراد بحرفين "كُن" يتحقق ما أعتقد الناس استحالة حدوثه لك، ومع دعائك أعمل بالأسباب، يقول الشعراوي: الجوارح تعمل والقلوب تتوكل.

 

البوح يا صديقي لا يكون حصرًا لشخص آخر؛ لأن ليس كل ما تشعر به يُقال أو قد يحدث لشخصِ غيرُك. البوح قد يكون على شكل جُمل مبعثرة على ورقة، ألوان على لوحة، سجدة في خفاء الليل. البوح إخراج ما بداخل صدرك للخارج لتُخفف أو تتخلص من دوران القلق برأسك حتى تستطيع أن تنظر لمشكلتك من وجهة نظر محايدة وتتخذ قرارك بعقل صافٍ.  

وبرغم ذلك لا تستطيع أن تعيش دائمًا بدائرة مغلقة مع نفسك، ولست أكتب بتنظير هنا يا قارئي العزيز، تعلم أن لكل منّا ظروف مختلفة وشخصيات مختلفة لذا لا أستطيع إخبارك بالتحديد ما هي الأمور التي تستلزم أن تخرج من قوقعة ذاتك قليلاً وتخبر من تثق به عما تواجه، لكن أخبرك أنه خيارٌ متاحٌ لك.

 أَتَعَجَّبُ من بديهية وجود هذا الخيار؟ أنا كنت أعتقد أن هذا الخيار ليس متاحًا لي، لكوني الأخت الكبيرة التي يثق بها كل إخوتها فيبوحون لها ويستشيرونها، لكنني الحمد لله تعلمت مدى خطأ هذا الاعتقاد.

إطلاع من تثق بهم بما يؤرق نومك يساعدك على رؤية مشكلتك من جانب لم تأخذه بالحسبان يُسهل عليك حلها، أو يساعدك على التأكد من رأيك وتصرفك، وبشكل عام التخفيف من وطأة المشاعر التي تثقل صدرك وتثير صداع القلق برأسك. 

 

وحتى إن انتهى بك المطاف مخطئًا بما فعلت، الخطأ والفشل يا قارئي العزيز لا يتوقف عند عمر محدد، فلا تقسو على نفسك كثيرًا. إذا لم تحصل على مُرادك بالنهاية فأعلم أن ذلك لأن الله يريد لك أفضل مما تُريد أنت، أختم هذه الرسالة لك بدعوة: 

 الله يُطمئن قلبك وييَسر لك أمرك أيًّا كان.

صديقتك محبة الكتُب

هالورينا 

1 تعليقات

  1. الله يسعدك ويحفظك من كل سوء يا رب العالمين ♥️

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال